قالت سيدة للدكتور جاسم المطوع: عندي ولدان الأول عمره ست سنوات والثاني تسع سنوات وقد مللت من كثرة معاقبتهما ولم أجد فائدة من العقاب فماذا أفعل؟؟
قلت لها هل جربت أسلوب الإختيار بالعقوبة؟ قالت لا أعرف هذا الأسلوب فماذا تقصد؟ قلت لها قبل أن أشرح لك فكرته هناك قاعدة مهمة في تقويم سلوك الأبناء لابد أن نتفق عليها وهي أن كل مرحلة عمرية لها معاناتها في التأديب وكلما كبر الطفل إحتجنا لأساليب مختلفة في التعامل معه ولكن ستجدين أن اسلوب الإختيار بالعقوبة يصلح لجميع الأعمار ونتائجه إيجابية وقبل أن نعمل بهذا الأسلوب لابد أن نتأكد إذا كان الطفل جاهلا أم متعمداًعند إرتكاب الخطأ حتى يكون التأديب نافعا، فلو كان جاهلا أو إرتكب خطأ غير متعمد ففي هذه الحالة لا داعي للتأديب والعقوبة وإنما يكفي أن ننبهه على خطئه أما لو كررالخطأ أو إرتكب خطأ متعمدا ففي هذه الحالة يمكننا أن نؤدبه بأساليب كثيرة منها الحرمان من الإمتيازات أوالغضب عليه من غيرإنتقام أو تشفٍ أو ضرب كما يمكننا إستخدام أسلوب الإختيار بالعقوبة
وفكرة هذا الأسلوب أن نطلب منه الجلوس وحده فيفكر في ثلاث عقوبات يقترحها علينا مثل الحرمان من المصروف أوعدم زيارة صديقه هذا الأسبوع أو أخذ الهاتف منه لمدة يوم ونحن نختار واحدة منها لينفذها على نفسه وفي حالة إختيار ثلاثة عقوبات لا تناسب الوالدين مثل يذهب للنوم أو يصمت لمدة ساعة أو يرتب غرفته ففي هذه الحالة نطلب منه إقتراح ثلاث عقوبات غيرها
قالت معترضة ولكن قد تكون العقوبات التي يقترحها لا تشفي غليلي قلت لها علينا أن نفرق بين التأديب والتعذيب فالهدف من التأديب هو تقويم السلوك وهذا يحتاج إلى صبرومتابعة وحوار وإستمرارفي التوجيه أما أن نصرخ في وجهه أوأن نضربه ضربا شديدا فهذا تعذيب وليس تأديبا، إننا عندما نعاقب أبناءنا فإننا لانعاقبهم بمستوى الخطأ الذي إرتكبوه وإنما نزيد عليهم في العقوبة لأنها ممزوجة بالغضب وذلك بسبب كثرة الضغوط علينا فيكون أبناؤنا ضحية توترنا وعصبيتنا من الحياة ولهذا نحن نندم بعد عقابهم على تعجلنا أو عدم ضبط أعصابنا ثم قلت للسائلة وأضيف أمرا مهما وهو أنك عندما تقولين لإبنك اذهب واجلس لوحدك وفكر بثلاث عقوبات لأختار أنا واحدة منها لأنفذها عليك فإن هذا الموقف هو تأديب في حد ذاته لأن فيه حوارا نفسيا بين المخطئ وهو الطفل وذاته وهذا تصرف جيد لتقويم السلوك ومراجة الخطأ الذي أرتكب وهو وقفة تربوية مؤثرة
قالت والله فكرة ذكية سأجربها قلت لها أنا جربتها شخصياً ونفعت معي وأعرف الكثير من الأسر جربوها ونفعت معهم لأن الطفل عندما يختار العقوبة وينفذها فإننا في هذه الحالة نجعل المعركة بين الطفل والخطأ وليس بينه وبين الوالدين فنكون قد حافظنا علي رابطة المحبة الوالدية وكذلك نكون قد إحترمنا شخصيته وحافظنا على إنسانيته فلم نحقره أو نهينه ومن يتأمل تأديب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للمخطئين يجد أنه مع التأديب يحترمهم ويقدرهم ولا يقبل بإهانتهم وقصة المرأة الغامدية التي زنت وطبق عليها الحد فشتمها أحد الصحابة فقال له رسول الله «إنها تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم» فنظرة الإحترام للمخطئ باقية طالما أنه سار في برنامج التأديب
ثم ذهبت السائلة ورجعت بعد شهر فقالت لي لقد نجح الأسلوب مع أبنائي وصارت عصبيتي معهم قليلة وهم صاروا يختارون العقوبة وينفذونها فأشكرك على هذه الفكرة ولكن أريد أن أسألك كيف فكرت بهذه الطريقة التأديبية الرائعة
فقلت لها إني إستفدت من الأسلوب القرآني في التأديب فالله تعالي يعطي للمذنب أو للمخطئ ثلاثة خيارات مثل كفارة من جامع زوجته في نهار رمضان أو كفارة اليمين وغيرها من الكفارات فإن الشريعة الإسلامية تعطي ثلاثة خيارات لمرتكب الخطأ وهذا أسلوب تأديبي راق وجميل
فقالت إذن هو اسلوب قرآني تربوي قلت لها نعم إن القرآن والسنة فيها أساليب تربوية عظيمة في تقويم السلوك البشري للصغار والكبار لأن الله هو خالق النفوس وهو أعلم بما يصلحها وأساليب التأديب كثيرة ومنها أسلوب الإختيار بالعقوبة الذي شرحناه لك فإنصرفت وهي سعيدة في تقويم أبنائها وزيادة المحبة في بيتها.
د/ جاسم المطوع